في عام 1977، تبنت الأمم المتحدة يوم الثامن من آذار يوما دوليا للمرأة بعد سنوات طويلة من إقراره من قبل الاتحاد النسائي الديموقراطي في باريس عام 1945 وذلك تخليدا لنضالات عاملات النسيج في نيويورك اللواتي نظمن احتجاجات للمطالبة بظروف عمل إنسانية في عام 1908.
وهذا العام، نحتفي بهذه المناسبة ونحن على أعتاب مرحلة تاريخية مهمة في حياة الشعوب حيث تعكف الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والخبراء على وضع المؤشرات والخطط التنموية لتنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030 التي تبنها قادة العالم في أيلول/ سبتمبر الماضي. حيث يأتي الاحتفال هذا العام تحت الشعار الأممي “الإعداد للمساواة بين الجنسين لتناصف الكوكب بحلول 2030”.
ونظرا لضعف الاهتمام بتتبع آثار الفساد على النساء ودورهن في مكافحته في منطقتنا العربية، رغبت في تسليط الضوء بعجالة على هذا الموضوع الهام، حيث لا يمكن لدولة عربية أن تتقدم بدون إرادة جدية لمكافحة الفساد ولا يمكن لمكافحة الفساد أن تنجح بدون مشاركة جميع الأطراف ومكونات المجتمع من مؤسسات حكومية وأهلية ونساء ورجال وفئات عمرية مختلفة.
هل النساء أقل فسادا من الرجال؟
أفادت العديد من الدراسات والأبحاث الدولية والعربية، رغم ندرتها، أن النساء أقل فسادا من الرجال وأنهن أكثر ميلا للاهتمام بالصالح العام وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. وذلك لأن النساء أكثر التزاما بسيادة القانون وبالإطار القيمي الأخلاقي الرافض للفساد. وحسب البنك الدولي، يقل الفساد كلما زاد عدد النساء في البرلمان وقطاعات الدولة الأخرى. فحسب دراسته ل 150 دولة في أمريكا وآسيا وإفريقيا أكد على العلاقة بين الجندر وانخفاض منسوب الفساد ففي الهند، أفاد البنك الدولي بانخفاض معدل الرشى بـنسبة 3.2% في المجالس المحلية التي تولت إدارتها نساء مقارنة بالمجالس المحلية التي يقودها رجالز. وأشارت دراسة أخرى لمدركات الفساد في بيرو لـسابرينا كريم إلى انخفاض الرشى في المخالفات المرورية في عام 2012 مقارنة بالأعوام الأربعة عشر التي سبقتها بعد أن تم تعيين 2500 امرأة في الشرطة المرورية.
وفي الدراسة التي أجريتها عام 2013 في إطار رسالة الماجستير حول توجهات النساء اللواتي يشغلن مناصب عليا في أربع وزارات فلسطينية في الفساد ومكافحته، أفاد الغالبية من المبحوثين (نساء ورجال) أن النساء أقل فسادا وأكثر اهتماما بالصالح العام وأن أفعال الفساد تقل في الإدارات تحت سيطرة النساء مضيفين أن النساء المسؤولات أكثر اكتراث لنظرة الآخرين بمستوى نزاهتهن وأنهن يعرن تطبيق القانون اهتماما أكبر من المسؤولين الرجال. وأرجعوا هذا الأمر لعامل الخوف عند النساء من المساءلة القانونية والاجتماعية، فهن دائمات القلق من فعل أخطاء بسبب إدراكهن لخضعوهن للرقابة والتتبع.
مدركات النساء والرجال للفساد ومكافحته:
أفادت نتائج باروميتر الفساد العالمي لعام 2013 والذي تصدره منظمة الشفافية الدولية بأن مدركات النساء والرجال للفساد متشابهة من حيث انتشاره وزيادة منسوبه مقارنة بعام 2010. إلا أن هناك بعض الاختلافات في الادراك بين الفئتين فيما يتعلق بالمؤسسات الأكثر فسادا، فقد كان إدراك النساء للفساد في الأحزاب السياسية والقضاء والبرلمان والدفاع والصحة أعلى منه لدى الرجال.
وأشارت الدراسات إلى أن الفئات المهمشة كالنساء هي الأكثر تأثرا بالفساد بسبب عدم تمتعها بنفس الموارد الذي يتمتع بها الرجال والحاجة الماسة الى الخدمة ولو أدى هذا إلى اضطرارها لدفع رشوة مالية أو جنسية مقابل الحصول عليها. فهن الأفقر والأقل قدرة للوصول إلى مراكز النفوذ وغيرها من فرص التمكين وهن الأقل فرصة في التطور والتقدم الوظيفي. والأهم من كل هذا أن انتشار الفساد يساهم في تآكل موارد الدولة وتراجع الانفاق على الخدمات الحيوية وإعادة انتاج الفقر والتهميش. ولعل خروج النساء عن صمتهن في الكشف عن الرشوة الجنسية خلال نقاشات نظمها عدد من الفروع الوطنية لمنظمة الشفافية الدولية في المنطقة العربية لخير دليل على تباين تأثير الفساد على النساء.
ورغم رفض النساء للانخراط في أفعال الفساد، إلا أنهن أقل استعدادا للإبلاغ عنه. فقد وصل حجم بلاغات النساء لمراكز المناصرة والإرشاد القانوني التابعة لمنظمة الشفافية الدولية في أحسن أحوالها الى ربع اجمالي البلاغات التي تصل هذه المراكز وهي متقاربة مع النسبة الفلسطينية حسب دراستي المذكورة أعلاه. فهل هناك من تفسير لهذا التناقض بين رفض الفساد وبين الاستعداد في الانخراط في مكافحته؟
هناك العديد من الحواجز والموانع التي تحد من مشاركة النساء في مكافحة الفساد من بينها ضعف مشاركتهن في مراكز اتخاذ القرار فالنساء لسن جزءا من عملية رسم السياسات والقرارات المتعلقة بمكافحة الفساد وبالتالي لا تتجاوب هذه السياسات والقرارات مع احتياجات المرأة وخصوصيتها. بالإضافة الى السياق الاجتماعي الذي يشكل السلوك والدور لكل من الرجل والمرأة. إلى ذلك لا يوجد استيعاب للفروق الجندرية فيما يخص أسباب وآثار وأشكال الفساد وليس هناك إقرار لدى الهيئات الحاكمة في مختلف مفاصل الدولة والمجتمع المدني ومجتمع الأعمال بالتأثير المدمر للفساد على النساء أكثر من غيرهم من الفئات. وبالتالي لا تراعي السياسات والتشريعات واآيات وبرامج العمل هذه الفروق ولا تتبنى هذه الهيئات سياسات وآليات خاصة بالمرأة للتوعية بالفساد وأشكاله خاصة الرشوة الجنسية والتشجيع على لإبلاغ عنه.
ما العمل لإدماج النساء في الحرب على الفساد؟
- إعداد أبحاث ودراسات تحليلية جندرية حول الفساد وأشكاله وأثره مع التركيز على تحليلات لمدركات النساء للفساد ولفعالية الآليات والسياسات والبرامج والموارد التي تتبناها وتوفرها الجهات المعنية في مجال مكافحة الفساد.
- مراجعة السياسات القائمة وخاصة التشريعات لتراعي البعد الجندري.
- رفع الوعي لدى صناع القرار بمدى وكيف يؤثر الفساد على النساء بشكل أكبر من الفئات الأخرى ووضع الخطط وإيجاد الوسائل التي تحد من أثر الفساد على النساء وضمان المساواة بين النساء والرجال في المشاركة بعملية رسم السياسات واتخاذ القرار فيما يخص مكافحة الفساد.
- تبني الرشوة الجنسية كشكل من أشكال الفساد ودمجه بالمنظومة القانونية الخاصة بمكافحة الفساد.
- تبنى آليات خاصة لتشجيع النساء على الانخراط في مكافحة الفساد والابلاغ عنه تراعي الفروق بين النساء والرجال في مجال التمكين والقدرة على الوصول والخصوصية.
- رفع القيود عن عمل منظمات المجتمع المدني وخاصة المنظمات التي تعنى بالمرأة وتمكينها للقيام بدورها من خلال النفاذ للمعلومات.
- تبني مبادرة إقليمية لتفعيل مشاركة النساء في مكافحة الفساد.